فصل: فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ:

قَالَ: (وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إنْ كَانَ إمَامًا) وَيُخْفِي فِي الْأُخْرَيَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ (وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْجَهْرُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ):
خُصَّ هَذَا الرُّكْنُ بِفَصْلٍ دُونَ سَائِرِ الْأَرْكَانِ لِكَثْرَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ.
وَفِي النَّوَازِلِ: رَجُلٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَنَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ نَائِمٌ يَجُوزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّائِمَ كَالْمُنْتَبِهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْمُصَلِّي بِالْحَدِيثِ وَبِهِ فَارَقَ الطَّلَاقَ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ لَوْ صَلَّيَا كَانَتْ صَلَاتُهُمَا جَائِزَةً وَلَوْ طَلَّقَا لَمْ يَجُزْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْجِيسِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطُ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ انْتَهَى. وَالْأَوْجَهُ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ، وَالِاخْتِيَارُ الْمَشْرُوطُ قَدْ وُجِدَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَافٍ، أَلَا يَرَى لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ ذَاهِلًا عَنْ فِعْلِهِ كُلَّ الذُّهُولِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَسْأَلَةُ الْكَثِيرَةُ الشُّعَبِ مَسْأَلَةُ زَلَّةِ الْقَارِئِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهَا مُهِمَّةٌ جِدًّا فَلْنُورِدْهَا. وَخَطَأُ الْقَارِئِ إمَّا فِي الْإِعْرَابِ أَوْ فِي الْحُرُوفِ أَوْ فِي الْكَلِمَاتِ أَوْ الْآيَاتِ، وَفِي الْحُرُوفِ إمَّا بِوَضْعِ حَرْفٍ مَكَانَ آخَرَ أَوْ تَقْدِيمِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ نَقْصِهِ، أَمَّا الْإِعْرَابُ فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ تَغْيِيرَهُ خَطَأٌ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَيُعْذَرُ، وَإِنْ غَيَّرَ فَاحِشًا مِمَّا اعْتِقَادُهُ كُفْرٌ مِثْلُ الْبَارِئُ الْمُصَوَّرُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَ: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} بِرَفْعِ الْجَلَالَةِ وَنَصْبِ الْعُلَمَاءِ فَسَدَتْ فِي قول الْمُتَقَدِّمِينَ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلْخِيّ وَالْهِنْدُوانِيُّ وَابْنُ الْفَضْلِ وَالْحَلْوَانِيُّ لَا تَفْسُدُ، وَمَا قَالَ الْمُتَقَدِّمُونَ أَحْوَطُ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ يَكُونُ كُفْرًا، وَمَا يَكُونُ كُفْرًا لَا يَكُونُ مِنْ الْقُرْآنِ فَيَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامِ النَّاسِ الْكُفَّارِ غَلَطًا وَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ النَّاسِ سَاهِيًا مِمَّا لَيْسَ بِكُفْرٍ فَكَيْفَ وَهُوَ كُفْرٌ، وَقول الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْسَعُ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ، وَهُوَ عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْإِعْرَابَ عُرِفَ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ، وَيَتَّصِلُ بِهَذَا تَخْفِيفُ الْمُشَدَّدِ، عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ كَالْخَطَإِ فِي الْإِعْرَابِ، فَلِذَا قَالَ كَثِيرٌ بِالْفَسَادِ فِي تَخْفِيفِ {رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ} لِأَنَّ مَعْنَى إيَا مُخَفَّفًا الشَّمْسُ، وَالْأَصَحُّ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فِي إيَّا الْمُشَدَّدَةِ نَقَلَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي النُّحَاةِ، وَعَلَى قول الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا أَفْسَدُوهَا بِمَدِّ هَمْزَةِ أَكْبَرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْحُرُوفُ فَإِذَا وَضَعَ حَرْفًا مَكَانَ غَيْرِهِ فَإِمَّا خَطَأً وَإِمَّا عَجْزًا، فَالْأَوَّلُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ: إنَّ الْمُسْلِمُونَ، لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ وَلَيْسَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ: قَيَّامِينَ بِالْقِسْطِ وَالتَّيَّابِينَ، وَالْحَيُّ الْقَيَّامُ عِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَفْسُدُ، وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَتْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلَهُ فِي الْقُرْآنِ، فَلَوْ قَرَأَ أَصْحَابُ الشَّعِيرِ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا، فَالْعِبْرَةُ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ عَدَمُ تَغَيُّرِ الْمَعْنَى. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وُجُودُ الْمِثْلِ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَ أَبُو مَنْصُورٍ الْعِرَاقِيُّ مِنْ عُسْرِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ وَعَدَمِهِ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ وَثُبُوتِهِ وَلَا قُرْبَ الْمَخَارِجِ وَعَدَمِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ. وَحَاصِلُ هَذَا إنْ كَانَ الْفَصْلُ بِلَا مَشَقَّةٍ كَالطَّاءِ مَعَ الصَّادِ فَقَرَأَ الطَّالِحَاتِ مَكَانَ الصَّالِحَاتِ تَفْسُدُ، وَإِنْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ كَالظَّاءِ مَعَ الضَّادِ وَالصَّادِ مَعَ السِّينِ وَالطَّاءِ مَعَ التَّاءِ قِيلَ تَفْسُدُ، وَأَكْثَرُهُمْ لَا تَفْسُدُ، هَذَا عَلَى رَأْيِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ ثُمَّ لَمْ تَنْضَبِطْ فُرُوعُهُمْ فَأَوْرَدَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا ظَاهِرُهُ التَّنَافِي لِلْمُتَأَمِّلِ، فَالْأَوْلَى قول الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْإِقَامَةُ عَجْزًا كَالْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِالْهَاءِ فِيهَا، أَعُوذُ بِالْمُهْمَلَةِ، الصَّمَدُ بِالسِّينِ إنْ كَانَ يَجْهَدُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فِي تَصْحِيحِهِ وَلَا يَقْدِرُ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَلَوْ تَرَكَ جَهْدَهُ فَفَاسِدَةٌ وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَتْرُكَ فِي بَاقِي عُمْرِهِ، وَأَمَّا الْأَلْثَغُ الَّذِي يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ بِالْمُثَلَّثَةِ أَوْ مَكَانَ اللَّامِ الْيَاءَ وَنَحْوَهُ لَا يُطَاوِعُهُ لِسَانُهُ لِغَيْرِهِ فَقِيلَ إنَّ بَدَلَ الْكَلَامِ فَسَدَتْ، أَوْ قَرَأَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يُؤْجَرُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَّخِذَ آيَاتٍ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ يَفْعَلُ وَإِلَّا يَسْكُتُ. وَعَلَى قِيَاسِ الْأَوَّلِ إنْ بَذَلَ جَهْدَهُ لَا تَفْسُدُ، وَبِهِ أَخَذَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْذُلْ إنْ أَمْكَنَهُ آيَاتٌ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ يَتَّخِذُهَا إلَّا الْفَاتِحَةَ، وَلَا يَنْبَغِي لِغَيْرِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَكَذَا الْفَأْفَاءُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ الْكَلِمَةِ إلَّا بِتَكْرِيرِ الْفَاءِ، وَالتَّمْتَامُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يُدِيرَهَا فِي صَدْرِهِ كَثِيرًا، وَكَذَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ حَرْفٍ مِنْ الْحُرُوفِ، ثُمَّ الْأَلْثَغُ إذَا وَجَدَ آيَاتٍ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ فَقَرَأَ مَا هِيَ فِيهِ فِيهَا فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَازَتْ، وَهَلْ يَجُوزُ بِلَا قِرَاءَةٍ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَرَأَ بِمَا فِيهَا مَعَ وُجُودِ مَا لَيْسَ فِيهَا فِيمَا إذَا لَمْ يُبَدِّلْ، أَمَّا إذَا بَدَّلَ فَيَنْبَغِي عَدَمُهُ فِي الْفَسَادِ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِلْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَكَذَا فِي الْجَوَازِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ عَدَمَ الْوُجُودِ مَعَ الْعَجْزِ أَمَّا مَعَهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُهُ فِي الْفَسَادِ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِلْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَأَمَّا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَإِنْ غَيَّرَ نَحْوَ قَوْسَرَةٍ فِي قَسْوَرَةٍ فَسَدَتْ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ فَكُّ الْمُدْغَمِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ نَحْوُ: وَانْهَا عَنْ الْمُنْكَرِ بِالْأَلِفِ، وَرَادَدُوهُ إلَيْكَ، لَا تَفْسُدُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ غَيَّرَ نَحْوَ زَرَابِيبُ مَكَانُ زَرَابِيُّ، وَالْقُرْآنُ الْحَكِيمُ وَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ، وَإِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى بِالْوَاوِ تَفْسُدُ، وَكَذَا النُّقْصَانُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ لَا تَفْسُدُ نَحْوُ جَاءَهُمْ مَكَانُ جَاءَتْهُمْ وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَ نَحْوُ، وَالنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى بِلَا وَاوٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَذْفُ الْحَرْفِ مِنْ كَلِمَةٍ فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنْ كَانَ حَذَفَ حَرْفًا أَصْلِيًّا مِنْ كَلِمَةٍ وَتَغَيَّرَ الْمَعْنَى تَفْسُدُ فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ نَحْوُ رَزَقْنَاهُمْ بِلَا رَاءٍ أَوْ زَايٍ أَوْ خَلَقْنَا بِغَيْرِ خَاءٍ أَوْ جَعَلْنَا بِلَا جِيمٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ الْمِثْلِ نَحْوُ مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَقَالَ: قَالُوا عَلَى قِيَاسِ قول أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الْمَقْرُوءَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ، وَلَوْ كَانَتْ الْكَلِمَةُ ثُلَاثِيَّةً فَحَذَفَ حَرْفًا مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ أَوْسَطِهَا نَحْوُ رَبِيًّا أَوْ عَرِيًّا فِي عَرَبِيًّا تَفْسُدُ، إمَّا لِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى أَوْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَغْوًا، وَكَذَا حَذْفُ بَاءِ ضَرَبَ اللَّهُ فَإِنْ كَانَ تَرْخِيمًا لَا تَفْسُدُ وَشَرْطُهُ النِّدَاءُ وَالْعَلَمِيَّةُ وَأَنْ يَكُونَ رُبَاعِيًّا أَوْ خُمَاسِيًّا نَحْوُ وَقَالُوا يَا مَالُ فِي مَالِكُ. وَأَمَّا الْكَلِمَةُ مَكَانُ الْكَلِمَةِ فَإِنْ تَقَارَبَا مَعْنًى وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَالْحَكِيمِ مَكَانَ الْعَلِيمِ لَمْ تَفْسُدْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمِثْلُ كَالْفَاجِرِ مَكَانِ الْأَثِيمِ وَأَيَاهُ مَكَانُ أَوَاهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، فَلَوْ لَمْ يَتَقَارَبَا وَلَا مِثْلَ لَهُ فَسَدَ اتِّفَاقًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذِكْرًا وَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ مِمَّا اعْتِقَادُهُ كُفْرٌ كَغَافِلِينَ فِي: {إنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} فَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ تَفْسُدُ اتِّفَاقًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى قِيَاسِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ابْنُ مُقَاتِلٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَفْسُدُ. وَلَوْ قَرَأَ: الْغُبَارِ. مَكَانَ: {الْغُرَابِ}. فَاخْشَوْهُمْ وَلَا تَخْشَوْنِ، أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا نَعَمْ؛ تَفْسُدُ، مَا تَخْلُقُونَ مَكَانَ {تُمْنُونَ} الْأَظْهَرُ الْفَسَادُ، وَذُقْ إنَّك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ مَكَانَ {الْكَرِيمِ} الْمُخْتَارُ الْفَسَادُ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي زَعْمِك. وَلَوْ قَرَأَ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَعَ أَنَّهُ قَرَأَ مَا بَعْدَهَا وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَعِنْدَ الْغُرُوبِ مَكَانَ {قَبْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} تَفْسُدُ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ فِي سَقَرَ، وَالنَّازِعَاتِ نَزْعًا، إنَّا مُرْسِلُو الْجَمَلِ وَالْكَلْبِ وَالْبِغَالِ لَا تَفْسُدُ، وَشُرَكَاءُ مَكَانَ {شُفَعَاءُ} تَفْسُدُ.
وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَمَنْ وَضَعَ كَلِمَةً مَكَانَ أُخْرَى كَأَنْ يَنْسُبَ بِالْبُنُوَّةِ إلَى غَيْرِ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ مُوسَى بْنُ لُقْمَانَ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَمَرْيَمَ ابْنَةِ غَيْلَانَ تَفْسُدُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَجُزْ نِسْبَتُهُ فَنَسَبَهُ تَفْسُدُ كَعِيسَى بْنِ لُقْمَانَ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ كُفْرٌ إذَا تَعَمَّدَ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إذْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ كَلِمَةً فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ شَطْرُ كَلِمَةٍ فَرَجَعَ وَقَرَأَ الْأُولَى أَوْ رَكَعَ وَلَمْ يُتِمَّهَا إنْ كَانَ شَطْرُ كَلِمَةٍ لَوْ أَتَمَّهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَتَمَّهَا تَفْسُدُ تَفْسُدُ، وَلِلشَّطْرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. وَأَمَّا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ، فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ لَمْ يَفْسُدْ نَحْوُ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا عِنَبًا وَحَبًّا، وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَ نَحْوُ الْيُسْرِ مَكَانَ الْعُسْرِ وَعَكْسِهِ، وَيُمْكِنُ إدْرَاجُهُ فِي الْكَلِمَةِ مَكَانَ الْكَلِمَةِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَرَأَ لَتَفُرُّنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَسْأَلُونَ، لَا تَفْسُدُ، وَإِذْ الْإِعْنَاقِ فِي أَغْلَالِهِمْ لَا تَفْسُدُ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ وَهِيَ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ: وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا وَبِرًّا إنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا عَلِيمًا لَا تَفْسُدُ فِي قولهِمْ، وَإِنْ غَيَّرَتْ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ نَحْوُ وَعَمِلَ صَالِحًا أَوْ كَفَرَ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ، أَوْ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ نَحْوُ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ وَعَصَّيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا؛ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَهُ كَفَرَ، فَإِذَا أَخْطَأَ فِيهِ أَفْسَدَ، فَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ وَلَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَتُفَّاحٌ وَرُمَّانٌ لَا تَفْسُدُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَفْسُدُ. وَلَوْ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تَفْسُدُ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ لَا تُغَيِّرُ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: رَأَيْت فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا تَفْسُدُ. وَمِنْ الزِّيَادَةِ الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ لِأَنَّ حَاصِلَهَا إشْبَاعُ الْحَرَكَاتِ لِمُرَاعَاةِ النَّغَمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَفْسِيرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَهَا فِي بَابِ الْأَذَانِ أَوْ زِيَادَةِ الْهَمَزَاتِ كَآ فَإِذَا فَحَشَ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَتُعْرَفُ فِي زِيَادَةِ الْحَرْفِ، وَلَوْ بَنَى بَعْضَ آيَةٍ عَلَى أُخْرَى إنْ لَمْ يُغَيِّرْ نَحْوُ {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، {فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} مَكَانَ {كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ غَيَّرَ فَإِنْ وَقَفَ وَقْفًا تَامًّا بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَرَأَ {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وَوَقَفَ ثُمَّ قال: {أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}. وَإِنْ وَصَلَ تَفْسُدُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَحِينَئِذٍ هَذَا مُقَيَّدٌ لِمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ اللَّهُ لَهُ بِالنَّارِ أَوْ بِالْقَلْبِ تَفْسُدُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
قولهُ: (هَذَا هُوَ الْمُتَوَارَثُ) يَعْنِي أَنَّا أَخَذْنَا عَمَّنْ يَلِينَا الصَّلَاةَ هَكَذَا فِعْلًا وَهُمْ عَمَّنْ يَلِيهِمْ كَذَلِكَ، وَهَكَذَا إلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُمْ بِالضَّرُورَةِ أَخَذُوهُ عَنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنْقَلَ فِيهِ نَصٌّ مُعَيَّنٌ، هَذَا وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي الْجَهْرِ.
قولهُ: (لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لَمَّا كَانَ قولهُ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ يَتَضَمَّنُ مِنْ الْبَدِيعِ النَّوْعَ الْمُسَمَّى بِحُسْنِ التَّعْلِيلِ كَمَا قِيلَ: فَدَتْك نُفُوسُ الْحَاسِدِينَ فَإِنَّهَا مُعَذَّبَةٌ فِي حَضْرَةٍ وَمَغِيبِ وَفِي تَعَبِ مَنْ يَحْسُدُ الشَّمْسَ ضَوْءَهَا وَيَجْهَدُ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِضَرِيبِ فَإِنَّ قولهُ جَهَرَ تَتَوَجَّهُ النَّفْسُ إلَى طَلَبِ عِلَّتِهِ مِنْ أَنَّهُ أَيُّ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَسْمَعُهُ فَقَالَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ لِإِفَادَتِهِ، وَذَلِكَ قَدْ يَخْفَى صَرَّحَ بِالتَّعْلِيلِ بِأَدَاتِهِ بِلَازِمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ حُسْنِ التَّعْلِيلِ، وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي تَعْرِيفِ الْجَهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا لَيْسَ فِيهِ إسْمَاعُ الْغَيْرِ لَيْسَ بِجَهْرٍ، أَوْ أَنَّ كَوْنَ هَذَا جَهْرًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرَهُ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الرِّوَايَاتِ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ إرَادَةَ هَذَا الْمَفْهُومِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي النِّهَايَةِ، أَوْ أَنَّ إرَادَتَهُ عَلَى قول الْكَرْخِيِّ لَا عَلَى الْمُخْتَارِ وَالتَّعْرِيفُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ قول الْهِنْدُوَانِيُّ. وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا اعْتَبَرَ هَذَا الْمَفْهُومَ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدَهُ: وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ فَانْظُرْ كَلَامَهُ بَعْدُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى رَأْيِهِ الثَّانِي.

متن الهداية:
(وَيُخْفِيهَا الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَةَ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَيْ لَيْسَتْ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ، وَفِي عَرَفَةَ خِلَافُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: («صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ») غَرِيبٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا أَصْلَ لَهُ انْتَهَى، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ قول مُجَاهِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَخْبَرَةَ قُلْنَا لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: «هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْنَا بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَلِكَ؟ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ».
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ الْخُدْرِيِّ: «حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَةِ أَلَمْ السَّجْدَةَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ» الْحَدِيثَ. وَعَنْهُ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً» الْحَدِيثَ.
قولهُ: (أَيْ لَيْسَتْ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ) قِيلَ فَسَّرَ بِهِ لِيُخَالِفَ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ «وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا» فَيَكُونُ دَافِعًا لِذَلِكَ.

متن الهداية:
(وَيَجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ) لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ بِالْجَهْرِ، وَفِي التَّطَوُّعِ بِالنَّهَارِ يُخَافِتُ وَفِي اللَّيْلِ يَتَخَيَّرُ اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُكَمِّلٌ لَهُ فَيَكُونُ تَبَعًا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ) طَرِيقُ تَقْرِيرِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَمَنْ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ «سَأَلَنِي عُمَرُ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ بِـ: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} وَ: {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ}» أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ يُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا».
وَفِي النَّسَائِيّ «كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةَ بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ» وَفِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ قال: «كُنَّا بِالطَّائِفِ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: إنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فَقَرَأَ لَنَا بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بـ: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وَ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}» فَالْإِخْبَارُ بِقِرَاءَةِ خُصُوصِ سُورَةٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ كَانَ جَهْرًا.
قولهُ: (اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ) هُوَ الْمُفِيدُ لِتَعَيُّنِ الْمُخَافَتَةِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ قولهُ وَيُخْفِيهَا الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يُعْطَى أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ كَمَا قَالَ عِصَامٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ السَّهْوُ بِالْجَهْرِ فِيهِمَا عَلَى الْمُنْفَرِدِ، وَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ الْمُخَافَتَةِ. وَبَعْدَ هَذَا فَفِيمَا دَفَعَ بِهِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْجَهْرَ وَالْإِسْمَاعَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، إذْ لَا نُنْكِرُ أَنَّ وَاجِبًا قَدْ يَكُونُ آكَدَ مِنْ وَاجِبٍ، لَكِنْ لَمْ يُنَطْ وُجُوبُ السُّجُودِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا بِآكَدِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ بِرُتْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهُ، فَحَيْثُ كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ.

متن الهداية:
(مَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ أَمَّ فِيهَا جَهَرَ) كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِجَمَاعَةٍ (وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ خَافَتَ حَتْمًا وَلَا يَتَخَيَّرُ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قال: «عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ شَابٌّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْرُسُكُمْ، فَحَرَسَهُمْ حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الصُّبْحِ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَمَا اسْتَيْقَظُوا إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأَ أَصْحَابُهُ وَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْفَجْرَ بِأَصْحَابِهِ وَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا». وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ يُعْتَضَدُ بِهِ حَمْلُ مَا فِي مُسلم: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ ثُمَّ قَالَ: ارْكَبُوا فَرَكِبْنَا وَسِرْنَا حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ» عَلَى مَا يَعُمُّ الْجَهْرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لَا عَلَى مُجَرَّدِ اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ كَأَحَدِ قوليْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِلَا مُوجِبٍ.
قولهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قول شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ: يَتَخَيَّرُ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ هُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَقولهُ لِأَنَّ الْجَهْرَ إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يَنْتَفِي بِنَفْيِ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ، وَالْمَعْلُومُ مِنْ الشَّرْعِ كَوْنُ الْجَهْرِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ تَخْيِيرًا فِي الْوَقْتِ وَحَتْمًا عَلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا، وَلَوْلَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ لَقُلْنَا بِتَقَيُّدِهِ بِالْوَقْتِ فِي الْإِمَامِ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْفَرِدِ مَعْدُومٌ فَبَقِيَ الْجَهْرُ فِي حَقِّهِ عَلَى الِانْتِفَاءِ الْأَصْلِيِّ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شَرْعِيَّةُ الْإِخْفَاءِ، وَالْجَهْرُ يُعَارِضُهُ دَلِيلٌ آخَرُ فَعِنْدَ فَقْدِهِ يُرْجَعُ إلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ ظَاهِرُ نَقْلِهِمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فَشَرَعَ الْكُفَّارُ يُغَلِّطُونَهُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قوله تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} فَأَخْفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا غُيَّبًا نَائِمِينَ وَبِالطَّعَامِ مَشْغُولِينَ. فَاسْتَقَرَّ كَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصْلَ الْجَهْرُ، وَالْإِخْفَاءُ يُعَارَضُ، وَأَيْضًا نَفْيُ الْمُدْرَكِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى أَدَائِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِمَا الْإِعْلَامَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَالشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ سَنَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ يُعْلِمُهُ بِهِمَا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مُرَاعَاةُ هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ. وَقَدْ رُوِيَ «مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ» ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ.

متن الهداية:
(وَمَنْ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي الْأُولَيَيْنِ السُّورَةَ وَلَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ لَمْ يُعِدْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَجَهَرَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُقْضَى إلَّا بِدَلِيلٍ. وَلَهُمَا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا السُّورَةُ، فَلَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ السُّورَةَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَفِي الْأَصْلِ بِلَفْظَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاتِحَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَيَجْهَرُ بِهِمَا) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ شَنِيعٌ، وَتَغْيِيرُ النَّفْلِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ أَوْلَى، ثُمَّ الْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةً بِدُونِ الصَّوْتِ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: أَدْنَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، وَأَدْنَى الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ.
وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا. وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لَمْ يُعِدْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ) الْمُنَاسِبُ لَمْ يَقْضِ أَوْ لَمْ يَقْرَأْهَا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إعَادَةُ مَا لَمْ يَسْبِقْ.
قولهُ: (وَلَهُمَا إلَخْ) مِثْلُ هَذَا الْوَضْعِ يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ لَهُمَا: يَعْنِي مِنْ الدَّلَائِلِ فِي مُقَابَلَةِ قول الْمُخَالِفِ بَعْدَ ذِكْرِ دَلِيلِهِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّ، وَدَلِيلُ الْقَضَاءِ لَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قِرَاءَتَهَا تَلْحَقُهَا بِالشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَيَخْلُو عَنْهَا الثَّانِي حُكْمًا لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَهَا، بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ الثَّانِيَ مَحَلُّهَا فَتَقَعُ قِرَاءَتُهَا أَدَاءً لِأَنَّهُ أَقْوَى لِلْمَحَلِّيَّةِ، وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ. وَقَدْ يُقَالُ كَذَلِكَ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فَإِنْ كَانَ إيقَاعُهَا فِيهِ يُخَلِّيهِ عَنْهَا حُكْمًا لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ ثَانِيًا لِلْقَضَاءِ يَجِبُ أَنْ تَلْتَحِقَ بِالْأُولَيَيْنِ فَيَخْلُوَ الثَّانِي عَنْ تَكْرَارِهَا حُكْمًا، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ الْمُتَحَقِّقُ عَدَمُ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَزِمَ كَوْنُهَا قَضَاءً، وَلَمْ يَقَعْ الْجَوَابُ عَنْ قولهِ إذَا فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ لَا يَقْضِي إلَّا بِدَلِيلٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُرَبَّعَةٌ، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذُكِرَ، وَعَكْسُهُ قول عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يَقْضِيهِمَا، ثُمَّ كَيْفَ يُرَتِّبُهُمَا؟ فَقِيلَ يُقَدِّمُ السُّورَةَ، وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ، إذْ تَقْدِيمُ السُّورَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمَعْهُودِ.
قولهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ) وَهُوَ لَفْظُ الْخَبَرِ وَفِي الْأَصْلِ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاتِحَةِ فَلَمْ تَكُنْ مُرَاعَاتُهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
قولهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا وَرَدَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ أَصْلًا لِأَنَّ الْجَمْعَ شَنِيعٌ، وَتَغْيِيرُ السُّورَةِ أَوْلَى لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ فِي مَحَلِّهَا وَلَيْسَتْ تَبَعًا لِلسُّورَةِ، وَعَنْهُ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ دُونَ الْفَاتِحَةِ مُرَاعَاةً لِصِفَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا يَكُونُ جَمْعًا تَقْدِيرًا لِلِالْتِحَاقِ بِمَحَلِّهَا مِنْ الْأُولَيَيْنِ، وَصَحَّحَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ.
قولهُ: (وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ) حَيْثُ قَالَ: إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ، وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ فَجَعَلَ إسْمَاعَهُ نَفْسَهُ جَهْرًا يُقَابِلُهُ الْمُخَافَتَةُ فَتَكُونُ هِيَ دُونَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ حِينَئِذٍ إلَّا تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرَهُ اعْتِبَارًا لِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ إبْدَاءِ حُسْنِ التَّعْلِيلِ وَالْمُرَادُ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ. فِي الْمُحِيطِ قول الْهِنْدُوَانِيُّ أَصَحُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِعْلَ اللِّسَانِ لَكِنَّ فِعْلَهُ الَّذِي هُوَ كَلَامٌ وَالْكَلَامُ بِالْحُرُوفِ وَالْحَرْفُ كَيْفِيَّةٌ تَعْرِضُ لِلصَّوْتِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ النَّفْسِ فَإِنَّهُ النَّفَسُ الْمَعْرُوضُ بِالْقَرْعِ، فَالْحَرْفُ عَارِضٌ لِلصَّوْتِ لَا لِلنَّفْسِ، فَمُجَرَّدُ تَصْحِيحِهَا بِلَا صَوْتٍ إيمَاءٌ إلَى الْحُرُوفِ بِعَضَلَاتِ الْمَخَارِجِ لَا حُرُوفَ فَلَا كَلَامَ. بَقِيَ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَلْزَمَ فِي مَفْهُومِ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَصِلَ إلَى السَّمْعِ، بَلْ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يُسْمَعُ وَهُوَ قول بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِقول الْهِنْدُوَانِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ سَمَاعِهِ بَعْدَ وُجُودِ الصَّوْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ.
قولهُ: (وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبِ السَّجْدَةِ بِتِلَاوَتِهِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَكَذَا الْإِيلَاءُ وَالْبَيْعُ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْمَعَ الْمُشْتَرِي.

متن الهداية:
(وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ آيَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَارِئًا بِدُونِهِ فَأَشْبَة قِرَاءَةَ مَا دُونَ الْآيَةِ. وَلَهُ قوله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ إلَخْ) الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَمَكْرُوهٌ، فَالْفَرْضُ عِنْدَهُ فِي رِوَايَةٍ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُشْبِهْ قَصْدَ خِطَابِ أَحَدٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ آيَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ كَقولهِمَا. وَالْوَاجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ: يَعْنِي فِي غَيْرِ الْأُخْرَيَيْنِ وَالْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْمَسْنُونَةِ إمَّا فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ، وَيُعْلَمُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْمَكْرُوهُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَآيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ مَكْرُوهٌ.
وَفِي الْمُجْتَبَى: مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ مَعَ الْفَاتِحَةِ آيَةً طَوِيلَةً لَا يَكُونُ إتْيَانًا بِالْوَاجِبِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قولهِمَا فِيمَا لَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ قِيلَ لَا يَجُوزُ، وَعَامَّتُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَمَا قِيلَ لَوْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا، وَكَذَا إذَا أَطَالَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُشْكِلٌ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرٌ لِلْقِرَاءَةِ إلَّا فَرْضًا فَأَيْنَ بَاقِي الْأَقْسَامِ. وَجْهُ الْقِيلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قول الْأَكْثَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قوله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآيَةِ فَمَا فَوْقَهَا مُطْلَقًا لِصِدْقِ مَا تَيَسَّرَ عَلَى كُلِّ مَا قُرِئَ فَمَهْمَا قُرِئَ يَكُونُ الْفَرْضُ، وَمَعْنَى قِسْمِ السُّنَّةِ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يُجْعَلَ الْفَرْضُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَجْعَلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَعْلُهُ بِعَدَدِ أَرْبَعِينَ مَثَلًا إلَى مِائَةٍ. وَمِمَّا يُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ وَتَعْيِينِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ عِنْدَهُ لَوْ قَرَأَ آيَةً هِيَ كَلِمَاتٌ أَوْ كَلِمَتَانِ نَحْو {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} أَوْ {ثُمَّ نَظَرَ} جَازَتْ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ كَلِمَةٌ اسْمًا أَوْ حَرْفًا نَحْوُ: {مُدْهَامَّتَانِ}، {ص}، {ق}، {ن} فَإِنَّ هَذِهِ آيَاتٌ عِنْدَ بَعْضِ الْقُرَّاءِ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قولهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا لَا قَارِئًا وَكَوْنُ نَحْوِ {ص} حَرْفًا غَلَطٌ، بَلْ الْحَرْفُ مُسَمَّى ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ الْمَقْرُوءَ، وَالْمَقْرُوءُ هُوَ الِاسْمُ صَادٌ كَلِمَةٌ، فَالصَّوَابُ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ هِيَ كَلِمَتَانِ أَوْ كَلِمَةٌ، وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ مِثْلُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْمُدَايَنَةِ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْآيَةِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ قِصَارٍ، وَتَعْيِينُ الْآيَةِ لِيَصِيرَ قَارِئًا عُرْفًا وَهُوَ بِذَلِكَ كَذَلِكَ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَثَابِتَةٌ مَا لَمْ يَقْرَأْ الْوَاجِبَ إلَّا فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ، وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ كَرَّرَ كَلِمَةً مِرَارًا حَتَّى بَلَغَ قَدْرَ آيَةٍ لَا يَجُوزُ.
قولهُ: (لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَارِئًا بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْمَذْكُورِ عُرْفًا.
قولهُ: (وَلَهُ قوله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ) فَكَانَ مُقْتَضَاهُ الْجَوَازَ بِدُونِ الْآيَةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْقُدُورِيُّ فَقَالَ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ يَجُوزُ وَهُوَ قول ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ بِقَلِيلٍ، وَلِأَنَّ مَا يَتَنَاوَلُ اسْمَ الْوَاجِبِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ فَدَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ بِقولهِ إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ مِنْهُ: أَيْ مِنْ النَّصِّ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ فِي الْمَاهِيَّةِ: وَلَا يُجْزَمُ بِكَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا بِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِيَقِينٍ إذْ لَمْ يُجْزَمْ بِكَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِهِ فَلَمْ تَبْرَأْ بِهِ الذِّمَّةُ خُصُوصًا وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ، بِخِلَافِ الْآيَةِ إذْ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ: أَيْ مَعْنَى مَا دُونَ الْآيَةِ بَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ قَارِئًا بِهَا، فَمَبْنَى الْوَجْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قوله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} وَأَمَّا مَبْنَى الْخِلَافِ فَقِيلَ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ. وَعِنْدَهُمَا بِالْقَلْبِ مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ غَيْرَ قَارِئٍ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَكَوْنَهُ قَارِئًا بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ تُسْتَعْمَلُ، فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ هَذَا قَارِئٌ لَمْ يُخْطِئْ الْمُتَكَلِّمُ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مُنِعَ مَا دُونَ الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا، وَأَجَازَ الْآيَةَ الْقَصِيرَةَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ: أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا بَلْ يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا عُرْفًا، فَالْحَقُّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قِيَامِ الْعُرْفِ فِي عَدِّهِ قَارِئًا بِالْقَصِيرَةِ. قَالَا: لَا يُعَدُّ وَهُوَ يُمْنَعُ. نَعَمْ ذَاكَ مَبْنَاهُ عَلَى رِوَايَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ.
وَفِي الْأَسْرَارِ مَا قَالَاهُ احْتِيَاطٌ، فَإِنَّ قوله: {لَمْ يَلِدْ}، {ثُمَّ نَظَرَ} لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا وَهُوَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً، فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ، وَمِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا.

متن الهداية:
(وَفِي السَّفَرِ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَأَيِّ سُورَةٍ شَاءَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَلِأَنَّ السَّفَرَ أَثَّرَ فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى، وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ.
الشَّرْحُ:
(قوله لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال: «كُنْتُ أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لِي: يَا عُقْبَةُ أَلَا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا؟ فَعَلَّمَنِي قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، قَالَ: فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْتُ بِهِمَا جِدًّا، فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَّى بِهِمَا صَلَاةَ الصُّبْحِ لِلنَّاسِ» وَفِيهِ الْقَاسِمُ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْهُ وَلَفْظُه: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَمِنْ الْقُرْآنِ هُمَا؟ فَأَمَّنَا بِهِمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» وَصَحَّحَهُ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ حَسَنٌ.
قولهُ: (وَلِأَنَّ السَّفَرَ إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا التَّعْلِيلُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ طَرَفِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْوَاثِ حَيْثُ قَالَ: قُلْنَا الضَّرُورَةُ فِي النِّعَالِ وَهِيَ قَدْ أَثَّرَتْ فِي التَّخْفِيفِ مَرَّةً حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَسْحِ فَتَكْفِي مُؤْنَتُهَا انْتَهَى: يَعْنِي الضَّرُورَةَ أَثَّرَتْ هَذَا التَّخْفِيفَ فَلَا تُؤَثِّرُ تَخْفِيفُ نَجَاسَتِهَا ثَانِيًا. وَأَجَابَ بِأَنَّ كُلًّا فِي مَحَزِّهِ لِأَنَّ سُقُوطَ شَطْرِ الصَّلَاةِ مِنْ قَبِيلِ رُخْصَةِ الْإِسْقَاطِ فَكَانَ التَّخْفِيفُ فِي الْقِرَاءَةِ حِينَئِذٍ ابْتِدَاءً لَا ثَانِيًا. وَالْحَقُّ أَنْ لَا وُرُودَ لِلسُّؤَالِ لِيَتَكَلَّفَ الْجَوَابَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ سُقُوطَ الشَّطْرِ مِنْ أَصْلِ الشَّرْعِيَّةِ لِلضَّرُورَةِ: يَعْنِي لَمَّا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ لَزِمَ الشَّطْرُ فِي السَّفَرِ لَزِمَ الْحَرَجُ سَقَطَ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي دَلِيلِهِمَا، وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِهِ فَقَالَ فِي الْجَوَابِ: قُلْنَا الضَّرُورَةُ فِي النِّعَالِ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ الْقول بِالْمُوجِبِ: أَيْ نَعَمْ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَلَكِنْ مَحَلُّهَا النِّعَالُ، وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي مَحَلِّهَا وَقَدْ أَثَّرَتْ حَتَّى طَهُرَتْ بِالدَّلْكِ فَانْدَفَعَتْ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ تَخْفِيفِ نَفْسِ النَّجَاسَةِ لِأَخْذِ الضَّرُورَةِ تَمَامَ مُقْتَضَاهَا دُونَ ذَلِكَ التَّخْفِيفِ. أَمَّا هُنَا فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَى تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ كَمَا دَعَتْ إلَى السُّقُوطِ، فَمَجْمُوعُ السُّقُوطِ وَالتَّخْفِيفِ مُقْتَضَاهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إعْطَائِهَا إيَّاهُ.

متن الهداية:
(وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ آيَةً سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ وَمِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ. وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ يَقْرَأُ بِالرَّاغِبِينَ مِائَةً وَبِالْكَسَالَى أَرْبَعِينَ وَبِالْأَوْسَاطِ مَا بَيْنَ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ، وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ اللَّيَالِي وَقِصَرِهَا وَإِلَى كَثْرَةِ الْأَشْغَالِ وَقِلَّتِهَا. قَالَ: (وَفِي الظُّهْرِ مِثْلَ ذَلِكَ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَعَةِ الْوَقْتِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ دُونَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاشْتِغَالِ فَيَنْقُصُ عَنْهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَلَالِ (وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ سَوَاءٌ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ دُونَ ذَلِكَ يَقْرَأُ فِيهَا بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَلِأَنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْعَجَلَةِ وَالتَّخْفِيفُ أَلْيَقُ بِهَا. وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ يُسْتَحَبُّ فِيهِمَا التَّأْخِيرُ، وَقَدْ يَقَعَانِ بِالتَّطْوِيلِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ فَيُوَقِّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ، إلَى قولهِ: وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ) الْمُرَادُ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ وَالْمِائَةَ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ. وَأَمَّا وُرُودُ الْأَثَرِ فَرَوَى مُسلم: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ: {ق} وَنَحْوِهَا». وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى مِائَةِ آيَةٍ» وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ. وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «إنْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَؤُمُّنَا فِي الْفَجْرِ بِالصَّافَّاتِ».
قوله: (يَنْظُرُ) إلَخْ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ أَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ مَحْمَلُ اخْتِلَافِ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ فَيُجْعَلُ قَاعِدَةً لِفِعْلِ الْأَئِمَّةِ فِي زَمَانِنَا، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ فِي الْحَضَرِ عَنْ الْأَرْبَعِينَ وَإِنْ كَانُوا كَسَالَى لِأَنَّ الْكَسَالَى تَحْمِلُهَا. ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ. فَقِيلَ سُورَةُ الْقِتَالِ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: الْحُجُرَاتُ فَهُوَ السُّبْعُ الْأَخِيرُ، وَقِيلَ مِنْ {ق}، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ الْجَاثِيَةُ وَهُوَ غَرِيبٌ، فَالطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ عَلَى الْخِلَافِ إلَى الْبُرُوجِ، وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى {لَمْ يَكُنْ} وَالْقِصَارُ الْبَاقِي؛ وَقِيلَ الطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى عَبَسَ، وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى وَالضُّحَى وَالْبَاقِي الْقِصَارُ. ثُمَّ إذَا رَاعَى اللَّيَالِيَ يَقْرَأُ فِي الشِّتَاءِ مِائَةً، وَفِي الصَّيْفِ أَرْبَعِينَ، وَفِي الْخَرِيفِ وَالرَّبِيعِ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ.
قولهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهِ كِتَابُ عُمَرَ) رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جَدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، َفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى. وَأَمَّا فِي الظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ فَلَمْ أَرَهُ، بَلْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، غَيْرَ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ مَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً» الْحَدِيثَ، فَارْجِعْ إلَيْهِ.
قولهُ: (وَقَدْ يَقَعَانِ) أَيْ بَعْدَ تَأْخِيرِهِمَا إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُمَا إلَيْهِ لَوْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ قَدْ يَقَعُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَكْرُوهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى النِّصْفِ فِي الْعِشَاءِ مُبَاحٌ وَبَعْدَهُ مَكْرُوهٌ، فَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْعَصْرِ بَعِيدٌ فِي الْعِشَاءِ.

متن الهداية:
(وَيُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ عَلَى الثَّانِيَةِ) إعَانَةً لِلنَّاسِ عَلَى إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ. قَالَ: (وَرَكْعَتَا الظُّهْرِ سَوَاءٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى غَيْرِهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى غَيْرِهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا» وَلَهُمَا أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْقِرَاءَةِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمِقْدَارِ، بِخِلَافِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَالَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِمَا رُوِيَ إلَخْ) رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَالَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قول الرَّاوِي، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي أَصْلِ الْإِطَالَةِ لَا قَدْرِهَا، فَإِنَّ تِلْكَ الْإِطَالَةَ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمُعْتَبَرَةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَقَدْ قُدِّرَتْ بِأَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ، وَلِأَنَّ الْإِطَالَةَ فِي الصُّبْحِ لَمَّا كَانَتْ لِأَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا بِحَيْثُ يُعَدُّ إطَالَةً، لَكِنْ كَوْنُ التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ، غَيْرُ الْمُتَبَادَرِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي قول مُحَمَّدٍ إنَّهُ أَحَبُّ.

متن الهداية:
(وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا) بِحَيْثُ لَا تَجُوزُ بِغَيْرِهَا لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا (وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَقِّتَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ) لِمَا فِيهِ مِنْ هَجْرِ الْبَاقِي وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَقِّتَ) كَالسَّجْدَةِ وَالْإِنْسَانِ لِفَجْرِ الْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ لِلْجُمُعَةِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ والإسبيجابي: هَذَا إذَا رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ. أَمَّا لَوْ قَرَأَ لِلتَّيْسِيرِ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا كَرَاهَةَ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهُمَا أَحْيَانًا لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَجُوزُ، وَلَا تَحْرِيرَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُدَاوَمَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ مُطْلَقًا مَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا، لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ لَا يُفَصَّلُ وَهُوَ إيهَامُ التَّفْضِيلِ وَهَجْرُ الْبَاقِيَ، لَكِنَّ الْهِجْرَانَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْبَاقِيَ فِي صَلَاةِ أُخْرَى، فَالْحَقُّ أَنَّهُ إيهَامُ التَّعْيِينِ، ثُمَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمُدَاوَمَةِ لَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا يَفْعَلُهُ حَنَفِيَّةُ الْعَصْرِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بِذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ، فَإِنَّ لُزُومَ الْإِيهَامِ يَنْتَفِي بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا، وَلِذَا قَالُوا: السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَظَاهِرُ هَذَا إفَادَةُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيهَامَ الْمَذْكُورَ مُنْتَفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي نَفْسِهِ.

متن الهداية:
(وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَاتِحَةِ. لَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ. وَلَنَا قولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَهُوَ رُكْنٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، لَكِنَّ حَظَّ الْمُقْتَدِي الْإِنْصَاتُ وَالِاسْتِمَاعُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا» وَيُسْتَحْسَنُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ (وَيَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ) لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ، وَالْقِرَاءَةُ وَسُؤَالُ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذُ مِنْ النَّارِ كُلُّ ذَلِكَ مُخِلٌّ بِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ، (وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) لِفَرْضِيَّةِ الِاسْتِمَاعِ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ قوله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} الْآيَةَ، فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّانِي عَنْ الْمِنْبَرِ، وَالْأَحْوَطُ هُوَ السُّكُوتُ إقَامَةً لِفَرْضِ الْإِنْصَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ) أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِقولهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ، وَكَذَا قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ».
قولهُ: (وَلَنَا قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ») فَإِذَا صَحَّ وَجَبَ أَنْ يُخَصَّ عُمُومُ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَصْمِ مُطْلَقًا فَيَخْرُجُ الْمُقْتَدِي، وَعَلَى طَرِيقَتِنَا يُخَصُّ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ، وَهُوَ الْمُدْرَكُ فِي الرُّكُوعِ إجْمَاعًا فَجَازَ تَخْصِيصُهُمَا بَعْدَهُ بِالْمُقْتَدِي بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. وَكَذَا يُحْمَلُ قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِاقْتِدَاءِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، بَلْ يُقَالُ الْقِرَاءَةُ ثَابِتَةٌ مِنْ الْمُقْتَدِي شَرْعًا فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ، فَلَوْ قَرَأَ لَكَانَ لَهُ قِرَاءَتَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، بَقِيَ الشَّأْنُ فِي تَصْحِيحِهِ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ مَرْفُوعًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ضُعِّفَ، وَاعْتَرَفَ الْمُضَعِّفُونَ لِرَفْعِهِ مِثْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَابْنِ عَدِيٍّ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ الْحُفَّاظَ كَالسُّفْيَانَيْنَ وَأَبِي الْأَحْوَصِ وَشُعْبَةَ وَإِسْرَائِيلَ وَشَرِيكٍ وَأَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ وَجَرِيرٍ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ وَزَائِدَةَ وَزُهَيْرٍ رَوَوْهُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلُوهُ. وَقَدْ أَرْسَلَهُ مَرَّةً أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَلِكَ، فَنَقول: الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَيَكْفِينَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ عَلَى رَأَيْنَا، وَعَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ أَيْضًا بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْمُرْسَلِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّنَزُّلِ عَنْ حُجِّيَّتِهِ فَقَدْ رَفَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ». وَقولهُمْ إنَّ الْحُفَّاظَ الَّذِينَ عَدُّوهُمْ لَمْ يَرْفَعُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» قَالَ: وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزُّهَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ، وَإِسْنَادُ حَدِيثِ جَابِرٍ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَهَؤُلَاءِ سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ وَجَرِيرٌ وَأَبُو الزُّهَيْرِ رَفَعُوهُ بِالطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ فَبَطَلَ عَدُّهُمْ فِيمَنْ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَلَوْ تَفَرَّدَ الثِّقَةُ وَجَبَ قَبُولُهُ لِأَنَّ الرَّفْعَ زِيَادَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ فَكَيْفَ وَلَمْ يَنْفَرِدْ، وَالثِّقَةُ قَدْ يُسْنِدُ الْحَدِيثَ تَارَةً وَيُرْسِلُهُ أُخْرَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَرْجَمَتِهِ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً وَبِهَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ الْبَلْخِيّ حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ بْنِ الْهَادِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى وَرَجُلٌ خَلْفَهُ يَقْرَأُ، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ وَقَالَ: أَتَنْهَانِي عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَتَنَازَعَا حَتَّى ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ».
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ هَكَذَا «إنَّ رَجُلًا قَرَأَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ فَأَوْمَأَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَنَهَاهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: أَتَنْهَانِي» الْحَدِيثَ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ هَذَا، غَيْرَ أَنَّ جَابِرًا رُوِيَ عَنْهُ مَحَلَّ الْحُكْمِ فَقَطْ تَارَةً وَالْمَجْمُوعَ تَارَةً، وَيَتَضَمَّنُ رَدَّ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ خَرَجَ تَأْيِيدًا لِنَهْيِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ خُصُوصًا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ لَا إبَاحَةَ فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا فَيُعَارِضُ مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ «مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ» أَنَّهُ قال: «إنْ كَانَ لَا بُدَّ فَالْفَاتِحَةُ» وَكَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قال: «كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ؟ قُلْنَا نَعَمْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» وَيُقَدَّمُ لِتَقَدُّمِ الْمَنْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَلِقُوَّةِ السَّنَدِ، فَإِنَّ حَدِيثَ الْمَنْعِ «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ» أَصَحُّ، فَبَطَلَ رَدُّ الْمُتَعَصِّبِينَ وَتَضْعِيفُ بَعْضِهِمْ لِمِثْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ تَضْيِيقِهِ فِي الرِّوَايَةِ إلَى الْغَايَةِ حَتَّى إنَّهُ شَرَطَ التَّذَكُّرَ لِجَوَازِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ خَطُّهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحُفَّاظُ هَذَا وَلَمْ يُوَافِقْهُ صَاحِبَاهُ، ثُمَّ قَدْ عُضِّدَ بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْ جَابِرٍ غَيْرِ هَذِهِ وَإِنْ ضُعِّفَتْ، وَبِمَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّ عَلَيْهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَإِذْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ» قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَرَوَاهُ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا وَقَالَ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، لَكِنْ إذَا صَحَّ عَنْهُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِسَمَاعِهِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ رَفْعُهُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ رَاوِيهِ ضَعِيفًا. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ نَجِيحٍ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَجَلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» وَقَالَ: هَذَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إسْمَاعِيلُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ إلَخْ سَنَدًا وَمَتْنًا.
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ وَفِيهِ كَلَامٌ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُقَاسِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالُوا: لَا تَقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، قَالَ: أَنْصِتْ فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا وَيَكْفِيك الْإِمَامُ: وَرَوَى فِيهِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ الْفَرَّاءِ الْمَدَنِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَدِدْت الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي فِيهِ حَجَرٌ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ أَيْضًا فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَيْتَ فِي فَمِ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَجَرًا. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْرَأُ وَالْإِمَامُ بَيْنَ يَدَيَّ؟ قَالَ لَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَا تَقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ إنْ جَهَرَ وَلَا إنْ خَافَتَ. وَأَخْرَجَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ قول عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَخْطَأَ الْفِطْرَةَ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: هَذَا يَرْوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَكْفِي فِي بُطْلَانِهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ إنَّمَا اخْتَارُوا تَرْكَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَطْ لَا أَنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى هَذَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ انْتَهَى. وَلَيْسَ مَا نَسَبَهُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ بِصَحِيحٍ بَلْ هُمْ يَمْنَعُونَهُ وَهِيَ عِنْدَهُمْ تُكْرَهُ، وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ كَمَا يُفِيدُهُ قول الْمُصَنِّفِ، وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ. وَصَرَّحَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ طَرِيقِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ الْحَرَامَ إلَّا عَلَى مَا حَرَّمْته بِقَطْعِيٍّ.
وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ سَمِعْته يقول: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ قَالَ نَعَمْ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: وَجَبَتْ هَذِهِ فَالْتَفَتَ إلَيَّ وَكُنْتُ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِنْهُ فَقَالَ: مَا أَرَى الْإِمَامَ إذَا أَمَّ الْقَوْمَ إلَّا قَدْ كَفَاهُمْ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ مِنْ كَلَامِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ لِيَرْوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ» ثُمَّ يَعْتَدُّ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ عَنْ الْمُقْتَدِي إلَّا لِعِلْمٍ عِنْدَهُ فِيهِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قولهُ: (قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا») رَوَاهَا مُسْلِمٌ زِيَادَةً فِي حَدِيثِ «إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا» وَقَدْ ضَعَّفَهَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ بَعْدَ صِحَّةِ طَرِيقِهَا وَثِقَةِ رَاوِيهَا، وَهَذَا هُوَ الشَّاذُّ الْمَقْبُولُ، وَمِثْلُ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي حَدِيثِ «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ».
قولهُ: (عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ) تَقْتَضِي هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّهَا لَيْسَتْ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي الزَّكَاةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا يَرْوِي عَنْهُ فِي دَيْنِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قولهِ فِي الذَّخِيرَةِ: وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا ذَكَرُوا أَنَّ عَلَى قول مُحَمَّدٍ لَا يُكْرَهُ وَعَلَى قولهِمَا يُكْرَهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ. وَالْحَقُّ أَنَّ قول مُحَمَّدٍ كَقولهِمَا، فَإِنَّ عِبَارَاتِهِ فِي كُتُبِهِ مُصَرِّحَةٌ بِالتَّجَافِي عَنْ خِلَافِهِ، فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ الْآثَارِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا أَسْنَدَ إلَى عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ مَا قَرَأَ قَطُّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَلَا فِيمَا لَا يُجْهَرُ فِيهِ، قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ لَا نَرَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ يَجْهَرُ فِيهِ أَوْ لَا يَجْهَرُ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي إسْنَادِ آثَارٍ أُخَرَ ثُمَّ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ.
وَفِي مُوَطَّئِهِ بَعْدَ أَنْ رَوَى فِي مَنْعِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مَا رُوِيَ. قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا قِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ وَفِيمَا لَمْ يَجْهَرْ فِيهِ. بِذَلِكَ جَاءَتْ عَامَّةُ الْأَخْبَارِ، وَهُوَ قول أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي قول عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي عَدَمِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ، وَلَيْسَ مُقْتَضَى أَقْوَاهُمَا الْقِرَاءَةَ بَلْ الْمَنْعَ.
قولهُ: (لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ) تَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِيمَا أَسْنَدْنَاهُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ.
قولهُ: (وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ) إنَّ لِلْوَصْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالرَّحْمَةِ إذَا اسْتَمَعَ، قَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وَوَعْدُهُ حَتْمٌ وَإِجَابَةُ دُعَاءِ الْمُتَشَاغِلِ عَنْهُ بِهِ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ، وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِ الْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ أَمَّ فِي الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ، أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَفِي الْفَرْضِ كَذَلِكَ.
وَفِي النَّفْلِ يَسْأَلُ الْجَنَّةَ وَيَتَعَوَّذُ مِنْ النَّارِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا وَيَتَفَكَّرُ فِي آيَةِ الْمَثَلِ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ اللَّيْلِ فَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ، وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ مِنْ النَّارِ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُهُ فِي النَّافِلَةِ وَهُمْ صَرَّحُوا بِالْمَنْعِ إلَّا أَنَّهُمْ عَلَّلُوهُ بِالتَّطْوِيلِ عَلَى الْمُقْتَدِي، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَّ مَنْ يُعْلَمُ مِنْهُ طَلَبُ ذَلِكَ يَفْعَلُهُ.
قولهُ: (بِالنَّصِّ) يَعْنِي قوله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} وَالْإِنْصَاتُ لَا يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْكَلَامِ، لَكِنْ قِيلَ إنَّهُ السُّكُوتُ لِلِاسْتِمَاعِ لَا مُطْلَقًا. وَحَاصِلُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَمْرَانِ: الِاسْتِمَاعُ، وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ، وَالثَّانِي لَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ وُرُودَ الْآيَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ. وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَسَمِعَ قِرَاءَةَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَنَزَل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}» وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: سَأَلْت بَعْضَ أَشْيَاخِنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْسِبُهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ: كُلُّ مَنْ سَمِعَ الْقُرْآنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ، قَالَ: إنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآية: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، هَذَا وَفِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ فِي الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ يَكْتُبُ الْفِقْهَ وَبِجَنْبِهِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ فَالْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَرَأَ عَلَى السَّطْحِ فِي اللَّيْلِ جَهْرًا وَالنَّاس نِيَامٌ يَأْثَمُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إطْلَاقِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ.
فُرُوعٌ فِي الْقِرَاءَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ:
يُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِهَا أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَتَعَمَّمَ وَيَسْتَقْبِلَ، وَكَذَا الْعَالِمُ لِلْعِلْمِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَلَوْ قَرَأَ مُضْطَجِعًا فَلَا بَأْسَ وَيَضُمُّ رِجْلَيْهِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمُ النَّائِمِ، بِخِلَافِ مَدِّهِمَا فَإِنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ، وَلَوْ قَرَأَ مَاشِيًا أَوْ عِنْدَ النَّسْجِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ أَوْ هِيَ عِنْدَ الْغَزْلِ وَنَحْوِهِ، إنْ كَانَ الْقَلْبُ حَاضِرًا غَيْرَ مُشْتَغِلٍ لَا يُكْرَهُ، وَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَفِي الشِّتَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كُلِّهِ فِي يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ خَمْسَةَ آلَافِ مَرَّةٍ، هَذَا فِي حَقِّ قَارِئِ الْقُرْآنِ، وَقِرَاءَتُهَا ثَلَاثًا عِنْدَ الْخَتْمِ خَارِجَ الصَّلَاةِ. اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي اسْتِحْبَابِهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ، وَفِي الْمَكْتُوبَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى مَرَّةٍ، وَلَا يَقْرَأُ فِي الْمُغْتَسَلِ وَالْمَخْرَجِ وَالْحَمَّامِ وَمَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ، أَوْ وَامْرَأَتُهُ هُنَاكَ تَغْتَسِلُ مَكْشُوفَةً وَكَذَا الذِّكْرُ. وَالْمُخْتَارُ فِي الْحَمَّامِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ إنْ جَهَرَ وَفِيهِ أَحَدٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ، َتَعَلُّمُ بَاقِي الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَ بَعْضَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَتَعَلُّمُ الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْ تَعَلُّمِ بَاقِي الْقُرْآنِ وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَتَعَلُّمُ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ أَحَبُّ مِنْ تَعَلُّمِهَا مِنْ الْأَعْمَى.
قولهُ: (وَكَذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ) هَذَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْتَمِعُ، فَأَمَّا النَّائِي فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَالْأَحْوَطُ السُّكُوتُ: يَعْنِي عَدَمَ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا، كَالْكَلَامِ الْمُبَاحِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ حَالِ الْخُطْبَةِ فَكَيْفَ فِي حَالِهَا، وَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْمَعْ فَقَدْ يُشَوِّشُ بِهَمْهَمَتِهِ عَلَى مَنْ يَقْرَبُ مِنْهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ، وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَتَكَلَّمُ فِي خِلَالِهِ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ فِي خِلَالِ الذِّكْرِ الْمَنْظُومِ يُذْهِبُ بَهَاءَهُ، وَالتَّشْمِيتُ وَرَدُّ السَّلَامِ عَلَى هَذَا لِأَنَّ السَّلَامَ مَمْنُوعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِإِيجَابِ الرَّدِّ. وَعَنْ الْفَضْلِيِّ أَنَّ عَلَى هَذَا؛ السَّلَامُ عَلَى الْمُدَرِّسِ فِي دَرْسِهِ وَالْقَارِئِ، وَصَاحِبِ الْوَرْدِ فِي وِرْدِهِ، وَسَلَامِ الْمُكْدِي لِقَصْدِهِ بِهِ الْمَالَ لَا إفْشَاءَ السَّلَامِ. وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْمُدَرِّسِ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ خَالِصَةٍ فِي عَدَمِ الرَّدِّ فَلْيَحْذَرْ مِنْ تَلْبِيسِ النَّفْسِ قَصْدَ الْعَظَمَةِ بِقَصْدِ الْعِبَادَةِ وَإِنَّهُ يَشْتَغِلُ عَنْهَا بِالرَّدِّ، وَاَللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ.
فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ فِي الْفَتَاوَى:
الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ أَفْضَلُ أَوْ سُورَةٍ بِتَمَامِهَا، قَالَ: إنْ كَانَ آخِرُ السُّورَةِ أَكْثَرَ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي أَرَادَ قِرَاءَتَهَا كَانَ آخِرُ السُّورَةِ أَفْضَلَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ آخِرَ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ لَا آخِرَ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا قَرَأَ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ وَسَطَ السُّورَةِ أَوْ آخِرَ سُورَةٍ فِي الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ وَسَطَ سُورَةٍ أَوْ آخِرَ سُورَةٍ أُخْرَى: أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ، وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَفِي نُسْخَةِ الْحَلْوَانِيِّ: قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ. وَالِانْتِقَالُ مِنْ آيَةٍ مِنْ سُورَةٍ إلَى آيَةٍ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى أَوْ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ بَيْنَهُمَا آيَاتٌ مَكْرُوهٌ، وَكَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ بَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَةٌ فِي رَكْعَةٍ، أَمَّا فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَتَانِ لَا يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ سُورَةٌ قِيلَ يُكْرَهُ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ طَوِيلَةً لَا يُكْرَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ سُورَتَانِ قَصِيرَتَانِ، وَإِنْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ سُورَةً وَفِي الثَّانِيَةِ مَا فَوْقَهَا أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ وَقَعَ هَذَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِـ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ هَذِهِ السُّورَةَ أَيْضًا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرَائِضِ. أَمَّا فِي النَّوَافِلِ فَلَا يُكْرَهُ، وَعِنْدِي فِي الْكُلِّيَّةِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى بِلَالًا عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ وَقَالَ لَهُ: «إذَا ابْتَدَأْتَ بِسُورَةٍ فَأَتِمَّهَا عَلَى نَحْوِهَا» حِينَ سَمِعَهُ يَنْتَقِلُ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ فِي التَّهَجُّدِ وَلَوْ قَصَدَ سُورَةً وَافْتَتَحَ غَيْرَهَا فَأَرَادَ تَرْكَهَا إلَى الْمَقْصُودِ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ حَرْفًا وَاحِدًا، وَلَوْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِرَاءَةِ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَرْكَعْ.
قولهُ: (إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ) أَفَادَ وُجُوبَ السُّكُوتِ فِي الثَّانِيَةِ كُلِّهَا أَيْضًا مَا خَلَا الْمُسْتَثْنَى، وَرُوِيَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْإِمَامَ حَكَى أَمْرَ اللَّهِ بِالصَّلَاةِ وَاشْتَغَلَ هُوَ بِالِامْتِثَالِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ مُوَافَقَتُهُ وَإِلَّا أَشْبَهَ عَدَمَ الِالْتِفَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.